Doctors’ rights.

المطالبة بحقوق الاطباء، باتت شعارا يتجمّع حوله أعضاء النقابة، وقد أصدرت نقابة الاطباء مئات البيانات والدراسات والتقارير بلائحة المطالب ، وأهمها أتعاب ومستحقات الاطباء، الحماية الامنية والقانونية والاجتماعية، التحصيل العلمي والتثقيف المستمر، وعقدت اجتماعات عمل لا تُحصى مع المعنيين لهذه الغاية فطغت الوعود فيها على الوفاء بالمطالب…
ان إجماع الاطباء حول هذه المطالب يمكن ان يشكل من حيث المبدأ ظاهرة ايجابية، خاصة وان مطالبهم المزمنة محقة ومقبولة من المعنيين والسياسيين. لكن هذه الايجابية يجب ان تصبح واقعا ملموسا، لا ان تبقى مجرد شعار نطالب بتحقيقه. وهذا ما يحملنا على العمل الجدي، رغم الصعوبات، لتحويل الشعار – المطلب الى واقع.
يخالجنا اليأس والاحباط، ونرتعب عندما ننظر الى واقع لبنان اليوم وملامح مستقبله التي تنذر بكوارث اقتصادية وأمنية وصحية واجتماعية، وقد بدأت عواقبها تظهر تباعا للعيان والحبل على الجرار .. لكن هذا لا يمنع من تسجيل بعض القناعات التي قد تساعد على تحقيق هذه المطالب. وهنا لا بد من السؤال: هل نملأ الوقت حقا بالعمل ونخفّف من الشعارات؟ الامر متاح بالتأكيد إذا ارتكز عملنا على أسس العلم والكفاءة والاخلاق وبدأ كل منا بممارسة العمل المنوط به لتسيير الامور المختصة به والتوقف عن تعطيلها.
لا شك في ان المدخل الصحيح للحصول على حقوق الاطباء يتمثّل أولا في توضيح المقصود بمعنى هذه الحقوق، والحقوق جمع حق، والحق يقابله واجب أو عمل يقوم به الطبيب تجاه مريضه بغية علاجه بطريقة علمية متعارف عليها، كما يعطي المريض طبيبه سلطة القيام بالاعمال اللازمة للعلاج. والحق ذو طابع صحي اجتماعي وأخلاقي. ويتعيّن على المجتمع الوفاء بهذه المطالب او الحقوق لجميع الاطباء . من هنا ضرورة إقرار القوانين و الضمانات اللازمة التي تتيح للطبيب التمتع بحقوقه بحرية وكرامة.
لقد انتهكت حقوق الاطباء مرارا وتكرارا، كما انتهكت الالتزامات العرفية او التعاهدية مع الجهات الضامنة الرسمية والخاصة من دون أن تؤدي الى إجراءات ادارية أو جزائية من قبل النقابة ، رغم أن هذه الحقوق تعد اساسية لاستمرارية وبقاء القطاع الطبي واحترام قيمته الانسانية والعلمية والحفاظ على كرامته.
إن أي إنكار لحق من حقوق الطبيب هو إنكار لوجوده وكرامته، مما قد يفضي إما الى الاحباط، أو الى مخالفات لا تمت الى الضمير الانساني والعلمي بصلة، أو الى الهجرة… إذ لا يمكن لأي طبيب أن يحيا وينمو بدون حقوقه بطريقة محترمة وعادلة. وعليه فعلى السلطات العامة أولا تنظيم هذه المسائل ووضع ضوابط لها ووضع بعض القيود على ممارستها استجابة للمصلحة العامة وحفاظا على الامن الصحي. ولا أمل في ضمان إحترام حقوق الاطباء ما لم يهتم الرأي العام بهذه الحقوق وما لم يتضافر الجميع على تأكيد هذا الاحترام لتحقيق تلك الغاية.
إن للأطباء الحق في السلامة الشخصية، وقد تحركت لجنة الادارة والعدل في المجلس التشريعي نحو مكافحة هذه الظاهرة لحماية الاطباء ، وملاحقة ومعاقبة مرتكبي الاعتداءات ومنع إفلاتهم من العقاب .
وللأطباء الحق في احترام الحياة الخاصة لكل فرد منهم، فلا تشهير اعلاميا ولا محاكمة إعلامية في أخطاء أو مضاعفات طبية محتملة ، قبل إبداء الرأي العلمي والقانوني من قبل أصحاب الاختصاص،
ولهم الحق في المعاملة العادلة والانسانية،
والحق في الحماية القضائية وهي حقوق خاضعة لمبدأ المساواة، علما أنهم يجهدون للحفاظ على حياة الانسان لكنهم لا يكفلون النتيجة. جدير بالذكر أنه بإمكان المواطن اللبناني ساعة يشأ الاتصال بطبيبه للحصول على إستشارة طبية سريعة وبجودة عالية، بينما ينتظر المواطن في الغرب أشهرا عدة قبل أن يتمكن من مقابلة طبيب اختصاصي لتلقي العلاج المناسب، طبعا باستثناء العلاجات الطارئة في أقسام الطوارىء.
وبما أن الاطباء طرف في الحياة الاجتماعية والاقتصادية فلهم الحق في الضمان الاجتماعي مدى الحياة،
والحق في مستوى معيشي مناسب ،
والحق بالأجر المناسب وربطه بمؤشر غلاء المعيشة ودفعه مباشرة لهم ضمن مهل زمنية لا تتعدى الثلاثة أشهر، لا كما هو حاصل الآن أي بعد سنة أو سنتين من إجراء العمل الطبي.
كما ولهم الحق بالحفاظ على خصائصهم في ضوء التطورات العلمية والتكنولوجية والبيئية.
ان التعديات على حقوق الاطباء وعدم تطبيق الالتزامات القانونية أو التعاقدية أو تجاهلها، تمس مختلف جوانب حياة الطبيب العلمية والاقتصادية والاجتماعية. وهي انتهاكات صارخة ومستمرة منذ عقود. وينبغي إتخاذ إجراءات إيجابية سريعة لمعالجتها، لأنها وصلت الى الحد الذي لا يمكن السكوت عنه وباتت تشكل تهديدا للأمن الصحي ، وتحمل الكثيرين منهم، وبخاصة أصحاب الكفاءات العالية، على الهجرة. ان عدم ملاحقة ومعاقبة مرتكبي انتهاكات حقوق الاطباء، ساهم في تشجيع ارتكاب انتهاكات عديدة. وقد كان لذلك دور كبير في زيادة المطالب لمواجهة هذه الانتهاكات.
لقد آن الاوان لتأمين حصانة الطبيب كما وتعزيز حقوقه المادية والاجتماعية والعلمية، وضرورة تجسيدها عمليا في الانظمة القانونية ومع الجهات الضامنة الرسمية منها والخاصة، ومع المستشفيات ، إن كنا نريد للبناننا أن يعود الى سابق عهده : مستشفى الشرق.